الكثير منّا من يعشق قراءة قصص نجاح المشاهير والعظماء، وكيف بدأوا حياتهم من الصفر أو حتى ما دون الصفر، وغالباً ما تُشحَن أرواحهم بطاقة إيجابية عالية، وترتفع مؤشرات التحفيز لديهم إلى أعلى مستوياتها.
شخصياً، كنت أقرأ قصص نجاح رجال الأعمال ورواد التقنيات والمخترعين وأسرح في خيالي بعيداً وبعيداً جداً، ثم فجأة، أصحو لأبحث عن نقطة أبدأ منها كما بدأوا هُم. إلا أنني أجد نفسي مرفَّهاً إذا ما قارنت نفسي بهم. فأنا لست يتيماً ولم أكن بليداً في الدراسة ولم أنشأ في عائلة تَئِنُّ من الفقر ولم أتعرض للاضطهاد أو العنف الأُسري في صغري.
كانت أغلب القصص التي قرأتها عن الناجحين تشترك في هذه الأمور، وكأنّ المؤلف هو نفسه من كتب قصصهم جميعاً وخلّدها للتاريخ. ليوحيّ لك بأنك لن تستطيع النجاح لأنك لا تملك ولا حتى ربع مواصفات أولئك الناجحين اللذين تحمّلوا الصعاب وواجهوا المجتمع وتحدّوا الظروف وتمردوا على القوانين. ليختفي بعدها الحماس وتذهب إلى أقرب مرآة وتنظر إلى نفسك وتقول، هل أستطيع فعلاً؟
عزيزي، عزيزتي، إذا كان الحاضر يُزوّر فماذا عن التاريخ؟ من يكتب قصص نجاح المشاهير والعظماء هو نفسه من يكتب المسلسلات والأفلام والروايات. فَلِكي تُثير عند القارئ أو المتلقي مشاعر معينة كالحزن أو الحماس أو السعادة أو الغضب فيجب عليك أولاً أن تقوم بقدح الزِناد. لا أعني هنا أن قصص النجاح مزوّرة أو غير حقيقية، ما أعنيه هو كمية التوابل الكبيرة التي تُرشُّ بها القصة لتصبح أسطورة لن تتكرر وليصبح بطلها شخص خارق لم ولن تصِل إلى ما وصل إليه.
الحقيقة أنّ لقصص النجاح مفعول تحفيزي مؤقّت، يبدأ بالزوال التدريجي بعد الانتهاء من قراءة القصة. لأن القارئ يكتشف صعوبة، بل استحالة أن يكون هو بطل القصة القادمة، فيتحول التحفيز إلى عجز واحباط. إلى أن يقوم بقراء قصة نجاح جديدة.. وهكذا دواليك.
إن أفضل قصص نجاح يمكن الاستلهام منها هي تلك الموجودة حولنا، وهي واقعية وملموسة وقريبة جداً، يمكننا حتى مقابلة أصحابها والدردشة معهم وأخذ النصائح منهم مباشرةً. أصدقاء، أقرباء، أصدقاء الأقرباء، أقرباء الأصدقاء وهكذا. فلابد أن يتواجد في محيطنا الاجتماعي من نجح وتميّز في عمله. علينا البحث عنهم والتقرب منهم والاستفادة من تجاربهم فهم الأقرب لواقعنا ولظروف حياتنا، ولتبقى قصص النجاح الأسطورية عاملاً معززاً للتحفيز وليست العامل الحقيقي أو الواقعي.